فصل ـ فيما يتحف به أهل النار عند دخولهم إليها ـ أجارنا الله منها .
قال الله عز و جل : { ثم إنكم أيها الضالون المكذبون * لآكلون من شجر من زقوم * فمالئون منها البطون * فشاربون عليه من الحميم * فشاربون شرب الهيم * هذا نزلهم يوم الدين } .
و النزل : هو ما يعد للضيف عند قدومه فدلت هذه الآيات على أن أهل النار يتحفون عند دخولها بالأكل من شجرة الزقوم و الشرب من الحميم و هم إنما يساقون إلى جهنم عطاشا كما قال تعالى : .
{ و نسوق المجرمين إلى جهنم وردا } .
قال أبو عمران الجوني : بلغنا أن أهل النار يبعثون عطاشا ثم يقفون مشاهد القيامة عطاشا ثم قرأ : .
{ و نسوق المجرمين إلى جهنم وردا } .
قال مجاهد في تفسير هذه الآية : متقطعة أعناقهم عطشا و قال مطر الوراق : عطاشا ظماء .
و في الصحيحين [ عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم في حديث الشفاعة الطويل إنه يقال لليهود و النصارى : ماذا تبغون ؟ فيقولون : عطشنا ربنا فاسقنا فيشار إليهم ألا تردون ؟ فيحشرون إلى جهنم كأنها سراب يحطم بعضها بعضا يتساقطون في النار ] .
و قال أيوب عن الحسن : ما ظنك بقوم قاموا على أقدامهم خمسين ألف سنة لم يأكلوا فيها أكلة و لم يشربوا فيها شربة حتى انقطعت أعناقهم عطشا و احترقت أجوافهم جوعا ثم انصرف بهم إلى النار فيسقون من عين آنية قد آن حرها و اشتد نضجها .
و روى ابن المبارك بإسناده عن كعب قال : إن الله ينظر إلى عبده يوم القيامة و هو غضبان فيقول : خذوه فيأخذه مائة ألف ملك أو يزيدون فيجمعون بين ناصيته و قدميه غضبا لغضب الله فيسحبونه على وجهه إلى النار قال : فالنار أشد عليه غضبا من غضبهم سبعين ضعفا قال : فيستغيث بشربة فيسقى شربة يسقط منها لحمه و عصبه ثم يركس في النار أو يدكس في النار فويل له من النار ! ! .
قال ابن المبارك : حدثت عن بعض أهل المدينة أنه يتفتت في أيديهم إذا أخذوه فيقول : ألا ترحموني فيقولون : كيف نرحمك و لم يرحمك أرحم الراحمين ؟ ! .
و روى الأعمش عن مالك بن الحارث قال : إذا طرح الرجل في النار هوى فيها فإذا انتهى إلى بعض أبوابها قيل : مكانك حتى تتحف قال : فيسقى كأسا من سم الأساود و العقارب فيتميز الجلد على حدة و الشعر على حدة و العصب على حدة و العروق على حدة خرجه ابن أبي حاتم .
و روى محمد بن سليمان بن الأصبهاني [ عن أبي سنان ضرار بن مرة عن عبد الله بن أبي الهذيل عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال : إن جهنم لما سيق إليها أهلها تلقتهم فلفحتهم لفحة فلم تدع لحما على عظم إلا ألقته على العرقوب ] خرجه الطبراني و رفعه منكر فقد رواه ابن عيينة عن أبي سنان عن عبد الله بن أبي الهذيل أو غيره من قوله لم يرفعه و رواه محمد بن فضيل عن أبي سنان عن عبد الله أبي الهذيل عن أبي هريرة من قوله في قوله تعالى : { لواحة للبشر } قال : تلقاهم جهنم يوم القيامة فتلفحهم لفحة فلا تترك لحما على عظم إلا وضعته على العراقيب
ابن رجب الحنبلي